بسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد صلى الله علية وسلم ..
أخوتى فى الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل رغيف العيش ام الحريا !!!؟؟؟
(( تحيى الفول والطعمية وتسقط الحري والديمقراطية ))هل هذا هو الشعار الان
ما الذي يعنيه تحوّل دعوة تبدو بريئة من قرابة 70 ألف شاب غالبيتهم بلا انتماء سياسي تقريبا لإضراب صوري عام في مصر جوهره عدم الخروج من البيت وربما التجمّع السلمي في بعض الميادين، إلى مصادمات دموية في مدينة المحلة العمالية المصرية (100 كم من القاهرة )؟.. وما الذي تعنيه السخرية الحكومية من الإضراب وتجاهله إعلاميا، ثم حشد كل وسائل الإعلام والوزارات –خصوصا الداخلية والتعليم– لنفي حصوله وتهديد من يستجيب له بالوعيد سوى الخوف من آثاره؟..
ثم ما الذي يعنيه نجاح الدعوة لمثل هذا الإضراب بنسبة قدّرها البعض بـ 60% على الأقل كنسبة استجابة شعبية، ثم حرص الداعين له على القيام بإضراب آخر أكثر تحديا للسلطة في يوم ميلاد الرئيس المصري الـ 80 يوم 4 مايو، بل وتأكيد أنهم مستمرّون في الإضرابات وكافة صور الاحتجاجات بعد يوم 4 مايو "لإجبار الحكومة وصانعي القرار في مصر على الانصياع لرغبة الشعب"، حسبما قالوا في مجموعتهم الإلكترونية على "فيس بوك"؟!.
بداية لا يمكن عزل الدعوة لهذا الإضراب عن حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر، بل ويمكن القول إن أحد أسرار الاستجابة السريعة لها من قبل الشباب أولا، ثم ركوب قوي من جانب حركات حزبية محدودة التأثير الجماهيري الموجة والتدخل لتوجيه الإضراب نحو التظاهر وربطه بإضرابات عمالية، أن هناك "مخزون غضب" رهيب لدى العديد من الفئات السياسية والاجتماعية شمل الجميع تقريبا، من القوى السياسية التي تعاني من إقصاء الحزب الوطني الحاكم لها، إلى القوى الاجتماعية الغاضبة على تآكل قيم المجتمع وتحوله السريع نحو قيم فاسدة مرتبطة بالسعي وراء جمع المال على حساب غياب قيم مثل العدالة والإيثار، إلى الجماهير الشعبية العريضة التي تشكل الطبقات الاقتصادية الفقيرة والمتوسطة، التي باتت مطحونة في خندق واحد، لحدّ المعاناة في الحصول على الحد الأدنى للحياة وهو رغيف الخبز الذي طاله الفساد بكافة أشكاله.
ولهذا فبيئة تفجر هذا الغضب الشعبي أو العنف موجودة، وساعد عليها وجود جيوش من العاطلين (قرابة 1.5-2 مليون شاب عاطل)، وتدني حالة الفقر بين الأسر المصرية (تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 2007 أكد وجود 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم)، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسب تتراوح بين 50 و200%، فضلا عن جيوش من البلطجية والمسجلين الخطرين بالآلاف ممن أصبح هناك طلب عليهم في الانتخابات المصرية الأخيرة، خصوصًا من جانب رموز ذات صلة بالحكومة أو جهاز الأمن لتأديب طلبة داخل الجامعات أو المشاركين في المظاهرات، حتى أصبحت "وظيفة" البلطجي مربحة ماديًّا، وتبعده عن السجون!.
الخبز مقدم على الديمقراطية!
نعم هناك حالة احتقان سياسي وغضب شعبي على تزايد أعداد المعتقلين في السجون (قرابة 20 ألفا) وعلى تزوير الانتخابات، كما أن هناك عزوفا عن المشاركة في الحياة السياسية من جانب الشباب (بنسبة 92% وفق إحصاءات رسمية) لقناعتهم أنه لا توجد حياة سياسية أو انتخابات حرة، ولكن ما لا يمكن إنكاره هو أن أي مظاهرات سياسية رفعت شعارات سياسية لم تنجح في مصر في ربع القرن الأخير لسببين: (الأول) أن الحكومة نجحت في خطة إلهاء غالبية قطاعات الشعب المصري في شئونها اليومية الحياتية الاقتصادية حتى انتعشت ظاهرة (الشعوبية) بين المثقفين وكل يطالب بمزايا لمهنته، و(الثاني) أن السياسية كما يقول المثل الشعبي المصري–"لا تؤكل عيش".
وربما لهذا –وبالمقابل- نجحت كل الإضرابات العمالية أو الشعبية التي رفعت شعارات تتعلق بمعيشة المواطن الاقتصادية في فرض مطالبها وسرعة استجابة الحكومة لها لحد تغيير موازنة الدولة عدة مرات للاستجابة لمطالب أطباء أو مدرسين أو أساتذة جامعات أو موظفين لتحسين الكادر المالي لوظائفهم، ونجحت أكثر "أزمة الخبز" في تحريك كل أركان الحكومة لحد تدخل الجيش والشرطة للمساهمة في حلها، وكان من الطبيعي أن ينجح إضراب 6 أبريل؛ لأنه رفع ذات المطالب الشعبية الاقتصادية بل وأن تنجح مصادمات المحلة في انتقال الحكومة برئيس وزرائها للمحلة وتقديم "منحة" لعمال الغزل والنسيج وأن يقول لهم وزير الاستثمار "نحن في خدمتكم"!.
ولو تتبعنا أبرز الأحداث السياسية الأخيرة على مدار الأعوام الثلاثة الساخنة الماضية منذ بداية ما يسمى (ربيع الديمقراطية) التي بدأت بتعديلات دستورية مصرية لأول مرة لانتخاب رئيس الجمهورية بصيغة تعددية محكومة عام 2005، والتي جاءت في سياق المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية في العالم العربي بعد تفجيرات 11 سبتمبر، سوف نلحظ أن التحركات الشعبية التي قامت على أسس سياسية فشلت كلها تقريبا في اجتذاب ملايين المصريين واقتصر الأمر فيها على العشرات أو المئات فقط مثل مظاهرات حركة كفاية والأحزاب المعارضة، باستثناء مظاهرات الإخوان ذات الحشد التنظيمي الأكثر عددا.
وعلى العكس تماما نجحت إضرابات عمال الغزل والنسيج عدة مرات وإضرابات عمال المصانع، وإضرابات الأطباء وأساتذة الجامعات وموظفي الضرائب العقارية (200 إضراب وقعت العام الماضي 2007)، والأهم مظاهرات –أو طوابير- الخبز، بل وظهرت استجابة حكومية سريعة غير معتادة لها؛ لأنها احتجاجات (عفوية – جماهيرية – غاضبة) لا تخشى شيئا ولا تبقي على شيء؛ لأن بطونها خاوية ومهددة في حياتها، وهذا هو مصدر قوتها والخوف منها في آن واحد لأنها تمس "عصب" حياة المصريين وطعامهم، ومطالبها لا تحتمل الانتظار بعكس المطالب السياسية!.
بعبارة أخرى لم تمسّ الاحتجاجات الضعيفة على الاستبداد السياسي أو التراجع عن هامش الحريات الذي انطلق في ربيع الحريات والديمقراطية في مصر منذ ثلاث سنوات أي شعرة في رأس النظام واكتفى بالتعامل الأمني معها، في حين أزعجت الاحتجاجات الاقتصادية ذات الطابع الجماهيري الجماعي العريض النظامَ، واقترن التعامل الأمني معها بتعامل سياسي آخر من أعلى المستويات، ما يؤكد أن ما يزعج الحكم هو التوترات الاجتماعية واتصالها بمطالب سياسية فتسعى لتفريغ أي بالونات غضب محتملة تأخذ الطابع الاقتصادي بمنح مالية سريعة لتفويت الفرصة على أي قوى سياسية للاستفادة من هذه الاضطرابات الاقتصادية وإبقاء هذه القوى الاجتماعية "شعوبية" متفرفة لا تجتمع على مطالب سياسية أعلى تتعلق بهيكل حياتها وتطالب بتغيير النظام نفسه.
مَن وراء مصادمات المحلة؟
كان التعامل الإعلامي أو السياسي مع أحداث المظاهرات والاضطرابات والمصادمات التي جرت بين المتظاهرين وبين قوات الأمن، يحكمه خلفيات فكرية تحكم كل هذه الأطراف، فالفضائيات والرموز الحكومية الرسمية ركزت على وصف ما جرى بأنه من فعل مجرمين و"قلة منحرفة"، مع تأكيد أن العمال لم يشاركوا في هذه الاضطرابات، وبالمقابل سعت فضائيات مخملية -لها اشتراكات شهرية- وتخاطب شريحة معينة من الأثرياء ورجال الأعمال للهجوم أيضا على ما جرى واتهام "غوغاء" أو فوضويين بإشعال حرائق وتخريب ممتلكات، في حين غاب التفسير المعتدل لما جرى.
وبرغم أن تفسير ما جرى يكمن بين ثنايا روايات كثيرة رواها شهود عيان لصحف وفضائيات بينهم عمال ومواطنون عاديون، فلم يصدر أي تفسير فعلي واقعي يقرأ بحيادية أن من قام بهذه المظاهرات والاضطرابات هم في نهاية الأمر مواطنون مصريون من المدينة المضطربة بعضهم مثقفون وبعضهم عمال وبعضهم طلبة عاطلون وبعضهم بلطجية (قيل –إعلاميا- إنهم استغلوا ما حدث للسرقة والانتقام من الشرطة وقيل إنهم كانوا متعاونين مع رجال أمن بغرض تشويه صورة العمال وتوجيه ضربة قاصمة للإضراب الذي تكرر في المدينة)، وفي كل الأحوال حدث الانفجار تعبيرا عن السخط من أحوال اقتصادية صعبة في المقام الأول، ربما عبرت عنها هتافات متظاهرين: "يا ترخصها (السلع).. يا نولعها"!.
بعبارة أخرى.. من قام بهذه المظاهرات كانوا هم أهالي مدينة "المحلة" وما فعلوه كان مجرد بروفة يمكن أن تجري في أي مدينة مصرية؛ لأن هناك نارًا تحت الرماد وجذورًا لهذا الغضب الشعبي بعدما طال أمورهم الحياتية العادية وقوّض اقتصاد حياتهم الهشة ولم يكتف بسلبهم حق التعبير والديمقراطية، وإذا كان المصريون قد اعتادوا الصبر على غياب الديمقراطية والحرية على مدار العهود الماضية، فالتجربة التاريخية أكدت أنهم لم يصبروا لحظة على غياب طعامهم وهو ما ظهر في حالات سابقة مثل أحداث 17 و18 يناير 1977.
وربما ما زاد التوترات والاحتجاجات الاجتماعية وألهبها هو المناخ السياسي القمعي، وانتشار الفساد بصورة غير عادية مع اقتران السلطة برجال الأعمال الذين تولوا مناصب تنفيذية، والإقصاء شبه التام لكل القوى السياسية سواء الإخوان أو الأحزاب الشرعية، والاستعانة بالبلطجية وجهاز الأمن للإبقاء على حزب السلطة في موقعه وعدم تخليه عنه.
ملاحظات ومؤشرات
1. جاء إعلان جماعة الإخوان عدم المشاركة رسميًّا في الإضراب وقصر الأمر على مشاركات فردية لشباب الإخوان بمثابة إجهاض ذكي لحملة حكومية جديدة أكثر شراسة يمكن أن تجري ضد الجماعة بتهمة التخريب في المحلة والوقوف خلف مظاهرات حرق وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وربما لهذا أبدى الدكتور عبد الوهاب المسيري، المنسق العام لحركة كفاية تفهمه لعدم مشاركتهم في إضراب 6 أبريل بقوله: "لو شاركوا لعلقت لهم المشانق في كل مكان"!.
2. وفقا لشهادات شهود عيان لصحف مستقلة كان من الواضح أن هناك تعليمات مشددة باتّباع أقسى درجات العنف مع المتظاهرين كدرس لهم، كي لا يخرجوا مرة أخرى، وربما كان بيان "الداخلية" التحذيري قبل الإضراب بيوم، والحشد الأمني الضخم مؤشرًا على هذا، وأنّ هذا التعامل الأمني أخذ طريقين: إطلاق الرصاص المطاطي ثم الحيّ عندما اشتعلت المظاهرات، وإن لوحظ أن أغلب من أصيبوا بالرصاص الحي كانوا في أماكن عليا (شرفة) ما قد يشير لاحتمال إطلاق الرصاص الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين، بجانب اعتقال أطفال وفتيات من نشطاء الإنترنت بجانب الشباب والمتظاهرين.
3. أن الدعوة للإضراب نشأت أصلا عبر شبكة الإنترنت ومواقع المدونين والنشطاء السياسيين وعبر رسائل الموبيل، وانتقلت إلى "فيس بوك" ومنه إلى الصحف ثم المواطن العادي، ولو علمنا أن هناك 7 ملايين مشترك مصري في شبكة، وقرابة 30 مليون مشترك في شبكة التليفون المحمول، لظهر أن طريقة الدعوة للإضراب أو التظاهر في مصر اختلفت عن السنوات الماضية، وأنها أصبحت أكثر سهولة في التداول بين الجمهور بدون الإعلام الرسمي، وهو ما أقلق الحكومة فعمدت للنفي المعلن، فزادت تأكيد الحدث، ما أضاف أعدادا أخرى من المصريين للإضراب، وهذه الوسيلة –الاتصال– تعدّ أحد أهم أربعة أضلاع تشكل أركان الاحتجاج العام في علم السياسة، وهي (الجماهير – القيادة – الاتصال – التثقيف والتربية)، فضلا عن أن نشطاء الإنترنت لعبوا هنا دورا تثقيفيا آخر وتعليميا للناس بماهية الإضراب العام وتنفيذه بطريقة حضارية سلمية، ولكن لأنه أول إضراب من نوعه، كما أن عوامل الانفجار موجودة، والرد الأمني كان عنيفا، فقد خرج بهذا الشكل في المحلة.
4. أن فكرة الإضراب نجحت في تحقيق هدف "البقاء في البيت" لنسبة كبيرة من المصريين سواء كان تعاطفا أو خشية وقوع مصادمات مع الأمن هم في غنى عنها، ولكن لأنها خرجت "بدون قيادة" أو رأس قوي يقود الإضراب واقتصرت على قيادة شباب معدومي الخبرة السياسية وغير معروفين في الشارع المصري، أصبح الإضراب أشبه بجسد (جمهور) بدون قيادة، وتنافست قيادات سياسية متفرقة على قيادته، فقد خرج بالشكل الذي ظهر به في المحلة، أي عشوائية في الخروج للشارع وهتافات متضاربة بعضها اجتماعي والآخر اقتصادي والثالث سياسي ينتقد بشدة رؤوس السلطة، ومع التعامل الأمني العنيف كانت ردات الفعل أيضا عنيفة وغير مدروسة وعشوائية.
5. أن أحداث المحلة تعدّ جرس إنذار جديد على أن هذا هو الثمن لتغليب الأمن السياسي على الأمن الاجتماعي، فضلا عن عجز أجهزة الإدارة المحلية الرسمية والشعبية عن القيام بواجبها في رعاية مصالح المجتمع وحل مشاكل الناس وتفرغها لمصالحها وفسادها.
--------------------